كتابات نايلة تويني لا تمت للسياسة بصلة. هي أشبه بالهراء والأكاذيب التخويفية التي سمعناها منذ صغرنا، لاسيما في المجتمعات المسيحية المغلقة عن الفلسطينيين. مثل، اًن تقول إحدى الأساطير اللبنانية إن الفلسطينيين يريدون احتلال لبنان لتحويله إلى وطن بديل لهم، غير مدركين غباء هذه الكذبة التي تتناقض مع تمسك اللاجئين بحق العودة وتمسكهم بلهجتهم وخصوصيتهم في بلد لم يمنحهم أدنى حقوق المواطنة. تقول أسطورة أخرى إن لبنان الجميل الأخضر الصغير "المعتّر" قد ذهب ضحية موقعه الجغرافي الذي حوله إلى ساحة حرب للآخرين. وإن كنا كلبنانيين قد انشغلنا في السنين الماضية بخلافاتنا وتسليحنا وتخوين بعضنا البعض وشن حروب شوارع بين الحين والآخر أنستنا بأننا الضحايا الجميلين "المعترين" الذين يحبون السهر والحياة، تأتي اليوم نايلة تويني في مقال أشبه بـ“ستاتوس” طويل على موقع فايسبوك غرضه النميمة بعنوان "العبء الفلسطيني مجدّداً" لتذكرنا بأن لبناننا الحبيب، الفلسطينين هم الذين "حولوه مع السوريين، وبمباركة من بعض المجتمع الدولي، ساحة لحروب الآخرين، ومساحة لتصفية الحسابات... ولبنان، الذي عانى الكثير من هؤلاء، ليس قادراً اليوم على تحمل المزيد." بكلمة "المزيد" تقصد تويني شيئين: "اللاجئين" و"الحروب" لأنها تعتبرهما يأتيان معاً وإن تخلصنا من اللاجئين سوف نتخلص من الحروب ونعيش في نعيم إلى أبد الآبدين. لم ترد تويني معاداة اللاجئين السوريين كما فعل الوزير جبران باسيل بتصريحاته العنصرية، فهي تتفهم بأنهم يحاربون نظام قد "احتلنا وقتلنا" وكأنها بذلك تمنحهم فائدة ما. لذا تحول رهابها من اللاجئين إلى الفلسطينيين منهم لأن لبنان لا يستوعب الكثير من هؤلاء فعلينا الآن التخلص من عبء الفلسطيني لاستعاب السوري لأن الأول أنزل حربنا الأهلية علينا والثاني يحارب النظام السوري عنا!
وتصحب تحليلها العبقري هذا ببرهان تاريخي فتعيد على مسامعنا الجملة الشهيرة عينها "اعتقد الفلسطينيون أن طريق القدس تمر من جونيه." يا للهول! سوف يزداد ازدحام السير أكثر على اوتستراد جونية ولربما يطلب الفلسطينيون إنزال بعض الصور العملاقة للملابس الداخلية وكابيريهات المعاملتين التي تغطي جونية لكي لا يصدم أولادهم في طريقهم إلى القدس. أريد أن أصرخ بنايلة تويني: يصرلها جونية! لكني أخشى أننا لا نتحدث اللغة ذاتها وأتساءل كم من الوقت يقضون في جريدة النهار في ترجمة كتاباتها إلى اللغة العربية. ربما أسألها ايضاً لماذا تهمها جونية وهي ابنة الأشرفية وتدعي العلمانية؟ هل لأنها نائبة عن مقعد مسيحي يخولها ذلك اذاً أن تتكلم باسم جميع المناطق التي تسكن فيها أكثرية مسيحية؟ لو علمنا باهتمامها لكنا طالبناها مثلاً بتوسيع أوتستراد جونية الخانق وإيقاف تشويه المدينة بألوف من الإعلانات العملاقة.
خلال جلسات الأساطير اللبنانية التي تحلف يميناً بأن الفلسطينيين هم سبب كل علة وحرب ومشاكلنا الداخلية الصغيرة والكبيرة، قد تنسب مقولة "طريق القدس تمر إلى جونية" إلى ياسر عرفات وأحياناً إلى محمود درويش. والحقيقة أن الجملة قالها أبو إياد (صلاح خلف، القيادي في حركة فتح) وهي اذ تبرهن شيئاً هو إدراك الجميع بأن اسرائيل تعمل داخلياً في لبنان. وتستهلك في هذه الأساطير حجة أن المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث يعيش مئات الألوف في ظروف قاسية تمنعهم من العمل والتملك، قد باتت عبارة عن دويلات مغلقة تخاف دخولها الدولة اللبنانية فتقول تويني مثلاً "الفلسطينيين الذين ما إن يدخلوا الجزر الأمنية في المخيمات حتى تصبح الدولة بأجهزتها عاجزة عن ملاحقتهم ومتابعة ملفاتهم." غريب كيف أن الدولة بأجهزتها كانت قادرة على دخول مخيم نهر البارد وتدميره بأكمله!
تنتمي تويني الى جيل من اللبنانيين الذين تكونت سياساتهم عبر ما سمعوه من أهلهم الذين شاركوا في الحرب الأهلية وأقنعوهم بأنهم هم الأبطال والمقاومون الحقيقيون وبأن الآخرين خونة يعملون لمصلحة الغرباء. يمكن لوعيهم السياسي هذا أن يسمى بسياسة الاشاعات والنميمة. لكن معظم أبناء هذا الجيل هم ممن يدعون بأنهم يمقتون السياسة و"بدّن يعيشوا" وهم لا يترأسون جريدة ورثوها عن عائلتهم ليحولوها من وسطية إلى يمينية زينوفيبية شديدة البلاهة. للأسف يذكرنا هذا المنطق باللبنانيين الذين يعيشون في اسرائيل ويصنعون صواريخ للعدو (أرزة ابنة سعد حداد) أو يعيدون كتابة تاريخ لبنان كما يحلو لهم فتجد على موقعهم الالكتروني الرسمي "اللبنانيون في إسرائيل" شيئاً شبيهاً بما قرأناه مؤخراً في النهار: "قرر الفلسطينيون الذين كانوا يرون منذ البدء أن طريق القدس تمر من جونية، بأن السيطرة على لبنان أهم بكثير من الحرب مع إسرائيل." وفي هذا المنطق ليس هناك تخويف للبنانيين وبالأخص المسيحيين منهم فحسب، بل تحجيم لعزيمة الفلسطينيين ونعتهم بالمستسلمين لاسرائيل وتقليل من قضيتهم السياسية والإنسانية.
يشابه فكر تويني الفاشية الأوروبية الجديدة التي تنسب كل مكروه إلى اللاجئين والأجانب. في أوروبا يتهمونهم بالسرقة والإجرام والعجز الاقتصادي والاغتصاب. هنا نتهمهم بكل ذلك وزيادة، نتهمهم بحروبنا أيضاً فنحن الأبرياء من دم ألوف الشهداء ونحن من منحنا أنفسنا "العفو العام" وكأن "معركة توحيد البندقية" التي خاضها المسيحيون ضد بعضهم البعض والمجازر والخطف والتصفيات ومشاهد العنف والقناصة التي وعينا عليها في منطقة جونية كانت جميعها من تصميم فلسطيني أوسوري. يا ليت سياسة "النأي عن النفس" التي تتباهى بها الدولة اللبنانية تطال أيضاً تصريحات النائبة نايلة تويني والوزير جبران باسيل عن اللاجئين الفلسطينيين والسوريين علّنا نتخلص يوماً من رهاب الآخرين ومن لعب دور الضحية ومن سماع الحماقات من قبل أشخاص ورثوا من عائلاتهم مقاعد سياسية.